الأحد، 22 فبراير 2015

على هامش اليوم العالمي للكتاب: العرب يكرهون الثقافة!





بيروت - من بين أهداف اليوم العالمي للكتاب تتحدث الأونيسكو عن تشجيع الأشخاص، وخاصة الشباب، على اكتشاف متعة القراءة. بالمناسبة، تاريخ 23 نيسان هو تاريخ وفاة سيرفانتس، كاتب رائعة "دونكيشوت". على ذكر دونكيشوت، يبدو أن هدف التشجيع على القراءة، في العالم العربي، يشبه هو الآخر محاربة طواحين الهواء.

يقرأ العرب بمعدّل وسطي لا يتجاوز الـ6 دقائق في السنة! هذا من الأرقام الصادمة التي سبق أن نشرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو). لتدنّي أسباب القراءة أسباب ثقافية واجتماعية قليلاً ما تناولتها دراسات جدّية. يكتفي العرب بالأرقام المقارنة التي تشير إلى بؤس حالتهم ولا يضيفون إليها أكثر من عناوين حماسية مثل "أمة إقرأ لا تقرأ".

واقع واحد وأرقام كثيرة

في الحقيقة، الرقم المشار إليه أعلاه لا يعني انفصال العرب عن عالم القراءة الواسع. الرقم يتحدث عن قراءة الكتب الثقافية (بالمعنى الواسع للثقافة) فالإحصائية تهمل قراءة الصحف والمجلات، والكتب الدراسية، وملفات العمل والتقارير، وكتب التسلية.

لا يعني هذا تخفيفاً من وطأة بؤس الحال الثقافي في العالم العربي. الأرقام كثيرة ومجرّد مقارنتها مع مثيلاتها في بعض الدول المتقدّمة يوضح الصورة ويعفي من الشرح.

بالنسبة لمعدلات القراءة، ورد في "تقرير التنمية الثقافية" الذي تصدره "مؤسسة الفكر العربي" أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً. تتفاوت الأرقام بين دراسة وأخرى بالنسبة لمعدّل قراءة الأوروبي ولكنها تجمع على معدّل قراءة العربي. لتقريب الصورة أكثر من ذهن القارئ، تتحدث بعض الدراسات عن أن كل 20 عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة في الوقت الذي يقرأ فيه البريطاني 7 كتب والأميركي 11 كتاباً.

على صعيد الترجمة، تلفت النظر المقارنات الواردة في "تقرير التنمية البشرية لعام 2003". بحسب هذا التقرير، إن حصيلة الكتب التي ترجمها العرب منذ عصر الخليفة المأمون حتى بداية التسعينات من القرن الماضي لا تتجاوز الـ10 آلاف كتاب وهو عدد تترجمه أسبانيا سنوياً! وإن العرب أجمعين يترجمون سنوياً خمس ما تترجمه اليونان.

ماذا على صعيد إنتاج الكتب؟ يشير "تقرير التنمية الثقافية" إلى أن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنوياً في العالم العربي لا تتجاوز الـ5000 عنوان. للمقارنة مع باقي العالم، يصدر في أميركا، سنوياً، حوالى 300 ألف كتاب ثقافي. هذه الأرقام، رغم فظاعتها لا تزال بسيطة! كيف؟ عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي هو ألف أو ألفين ويصل، في حالات نادرة، إلى 5 آلاف، بينما تتجاوز نسخ الكتاب المطبوع في الغرب عادةً الـ50 ألف نسخة.

ما هو حال القراءة في لبنان؟

الأرقام المشار إليها أعلاه تتحدث عن واقع عربي عام. وإذا عرفنا أن هناك حوالى 100 مليون عربي أمّي، وأن هناك ملايين أخرى تعيش تحت خط الفقر، تتضح بعض معالم الصورة ويتضح التفاوت بين الدول العربية. ماذا عن الحال في لبنان؟ بحسب دراسة أجرتها شركة سينوفات المتعددة الجنسيات لأبحاث السوق، عام 2008، تبيّن أن اللبنانيين يكرسون وقتاً أكبر مما يكرّسه أشقاؤهم العرب لقراءة الكتب. يقرأون الكتب بمعدّل يصل إلى 588 دقيقة شهرياً، أي أقل بقليل من 10 ساعات. معدّلهم أعلى بـ48 دقيقة من المصريين وبـ82 دقيقة من المغاربة. يفضّل اللبنانيون قراءة الروايات المعاصرة. باقي المواضيع التي تثير اهتمامهم هي كتب الطبخ والشعر والتاريخ. ولكن... هذه الأرقام تشمل أنواعاً من الكتب لا تشملها الدراسات السابق ذكرها، فعلى سبيل المثال تشمل قراءة القرآن الكريم.

مؤشر آخر يمكن تتبّعه لمعرفة ميول القراءة لدى اللبنانيين هو الإحصائيات التي يصدرها سنوياً النادي الثقافي العربي عن المبيعات التي يحققها معرض بيروت الدولي للكتاب. يتبيّن أن الكتب التي تتصدر أرقام المبيعات هي المعاجم والقواميس والكتب المماثلة والتي لا تؤخذ بعين الإعتبار حين القيام بإحصائيات عن القراءة فهي من نوع الكتب التعليمية. كذلك تحقق كتب الطبخ والأبراج نسب مبيعات مرتفعة. وتفوق أرقام مبيعات الكتب الإسلامية أرقام مبيعات الكتب المندرجة ضمن تصنيفات أخرى (عادةً، تحجز دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع المرتبة الأولى). في المجالات الأخرى نلاحظ أن الكتب (روايات، علم اجتماع...) التي تحقق أرقام مبيعات مقبولة تعتمد بشكل أساسي على شبكة العلاقات الإجتماعية التي ينسجها الكاتب (عادة يحقق المسؤولون عن النشر في الصحف والكتاب الناشرون نسباً جيّدة!).

الأرقام.. قصة ثقافة شعوب

اهتمام العرب بكتب الأبراج وبالكتب الدينية أكثر من المواضيع الأخرى يعكس مسألة ثقافية هامة. العرب قلقون من حاضرهم ولا يعلّقون آمالاً كبيرة على مستقبلهم القريب لذلك يلجأون إلى المنجّمين علّهم يحملون إليهم أمنيات سارّة يموّهون بها واقعاً يرفضونه.

يرتبط الاهتمام بالقراءة، بشكل أساسي، بطبيعة النظام السياسي. حيث تزدهر الحريات ترتفع معدلات القراءة. في المجتمعات الديمقراطية يعتبر المواطن نفسه شخصاً فاعلاً في الحياة العامة لذلك يهتم، ولو قليلاً، بالانتاج الثقافي والسياسي. في الحقبة التي ازدهرت فيها الأيديولوجيات السياسية في بعض أصقاع العالم العربي، كانت معدلات القراءة بين الفئات المتعلّمة أكبر بكثير. الآن يبدو أن معظم المواطنين يسلّمون مصائرهم للقدر ويشعرون بلاجدوى انخراطهم في الشأن العام على كافة المستويات.

العمل الذي يهدف إلى تغيير هذا الواقع لا يلبث أن يقع فريسة لأزمة الثقافة العربية. لنعطي مثلين. إحدى المبادرات الهادفة إلى ترجمة بعض الكتب الأجنبية الهامة نهش جسدها الفساد. من المبلغ الجيّد المرصود لكل عملية ترجمة يصل إلى المترجم بعض الفتات! بعض دور النشر التي تدّعي حماسة لنشر الثقافة تقوم بمبادرات لتوزيع الكتب أو لتخفيض أسعارها. ولكن سرعان ما نكتشف أن العناوين التي تعرضها هي العناوين غير الصالحة للقراءة ولا تشمل منشورات الدور الهامة! 

عندما أنقذ الفارس جوردي (السان جورج) الأميرة من بين مخالب التنين وقطع رأسه أمطرت السماء أزهاراً. في برشلونة، بلاد السان جورج، اندمجت هذه المناسبة، بفضل ناشر كتب، بذكرى وفاة سرفانتس حيث أسس لتقليد تقديم زهرة مع كل عملية شراء كتاب في هذا التاريخ. اليوم العالمي للكتاب أتى ليتوّج تقليداً كان شائعاً في بعض الدول الغربية. لا يمكن لاحتفالية رمزية أن تغيّر في واقع شعب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Comments system

Disqus Shortname